سورة البقرة - تفسير تفسير ابن جزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (البقرة)


        


{الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (27) كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (28)}
{عَهْدَ الله} مطلق في العهود وكذلك ما بعده من القطع والفساد، ويحتمل أن يشار بنقض عهد الله إلى اليهود، لأنهم نقضوا العهد الذي أخذ الله عليهم في الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم، ويشار بقطع {مَآ أَمَرَ الله بِهِ أَن يُوصَلَ} إلى قريش؛ لأنهم قطعوا الأرحام التي بينهم وبين المؤمنين، ويشار بالفساد في الأرض إلى المنافقين؛ لأن الفساد من أفعالهم، حسبما تقدّم في وصفهم {مِيثَاقِهِ} الضمير للعهد أو لله تعالى {كَيْفَ تَكْفُرُونَ} موضعها الاستفهام، ومعناها هنا: الإنكار والتوبيخ {وَكُنْتُمْ أمواتا} أي معدومين أي: في أصلاب الآباء، أو نطفاً في الأرحام {فأحياكم} أي أخرجكم إلى الدنيا {ثُمَّ يُمِيتُكُمْ} الموت المعروف {ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} بالبعث {ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} للجزاء، وقيل: الحياة الأولى حين أخرجهم من صلب آدم لأخذ العهد، وقيل: في الحياة الثانية إنها في القبور، والراجح القول الأول لتعينه في قوله: {وَهُوَ الذي أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} [الحج: 66].
فوائد ثلاثة:
الأولى: هذه الآية في معرض الردّ على الكفار، وإقامة البرهان على بطلان قولهم. فإن قيل: إنما يصح الاحتجاج عليهم بما يعترفون به، فكيف يحتج عليهم بالبعث وهم منكرون له؟ فالجواب: أنه ألزموا من ثبوت ما اعترفوا به من الحياة والموت ثبوت البعث، لأن القدرة صالحة لذلك كله.
الثانية: قوله: {وكنتم أمواتاً} في موضع الحال، فإن قيل: كيف جاز ترك قد وهي لازمة مع الفعل الماضي إذا كان في موضع الحال فالجواب: أنه قد جاء بعد الماضي مستقبل، والمراد مجموع الكلام. كأنه يقول: وحالهم هذه. فلذلك لم تلزم قد.
الثالثة: عطف فأحياكم بالفاء؛ لأن الحياة إثر العدم ولا تراخي بينهما، وعطف ثم يميتكم وثم يحييكم بثم؛ للتراخي الذي بينهما.


{هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (29)}
{خَلَقَ لَكُمْ مَّا فِي الأرض} دليل على إباحة الانتفاع بما في الأرض {ثُمَّ استوى} أي قصد لها والسماء هنا جنس ولأجل ذلك أعاد عليها بعد ضمير الجماعة {فَسَوَّاهُنَّ} أي أتقن خلقهن: كقوله: {فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ} [الإنفطار: 7]، وقيل جعلهنّ سواء.
فائدة: هذه الآية تقتضي أنه خلق السماء بعد الأرض، وقوله: {والأرض بَعْدَ ذلك دَحَاهَا} [النازعات: 30] ظاهرة خلاف ذلك، والجواب من وجهين: أحدهما: أن الأرض خلقت قبل السماء، ودحيت بعد ذلك فلا تعارض، والآخر: تكون ثم لترتيب الأخبار.


{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30)}
{لِلْمَلاَئِكَةِ} جمع ملك واختلف في وزنه فقيل: فَعَل فالميم أصلية، ووزن ملائكة على هذا مفاعلة وقيل: هي من الألوكة وهي الرسالة، فوزنه مفعل ووزنه مألك ثم حذفت الهمزة ووزن ملائكة على هذا مفاعلة، ثم قلبت وأخرت الهمزة فصار مفاعلة وذلك بعيد {خَلِيفَةً} هو آدم عليه السلام؛ لأنّ الله استخلفه في الأرض، وقيل ذريته لأنّ بعضهم يخلف بعضاً، والأوّل أرجح، ولو أراد الثاني لقال خلفاء {أَتَجْعَلُ فِيهَا} الآية: سؤال محض لأنهم استبعدوا أن يستخلف الله من يعصيه، وليس في اعتراض؛ لأنّ الملائكة منزهون عنه، وإنما علموا أنّ بني آدم يفسدون بإعلام الله إياهم بذلك، وقيل: كان في الأرض جنّ فأفسدوا، فبعث الله إليهم ملائكة فقتلتهم. فقاس الملائكة بني آدم عليهم {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ} اعتراف، والتزام للسبيح لا افتخار {بِحَمْدِكَ} أي حامدين لك والتقدير: نسبح متلبسين بحمدك، فهو في موضع الحال {وَنُقَدِّسُ لَكَ} يحتمل أن تكون الكاف مفعولاً، ودخلت عليها اللام كقولك: ضربت لزيداً، وأن يكون المفعول محذوفاً، أي نقدسك على معنى: ننزهك أو نعظمك، وتكون اللام في ذلك للتعليل أي لأجلك، أو يكون التقدير: نقدس أنفسنا أي نطهرها لك {مَا لاَ تَعْلَمُونَ} أي ما يكون في بني آدم من الأنبياء والأولياء وغير ذلك من المصالح والحكمة.

4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11